المسيرة الخضراء في ذكراها الخمسين: دروس في الوطنية والبناء

تعد المسيرة الخضراء المجيدة، التي دعا إليها الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1975، محطة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، إذ مكنت المملكة من استرجاع أقاليمها الجنوبية وترسيخ وحدتها الترابية، لتبدأ مرحلة جديدة عنوانها البناء والتنمية الشاملة.
في السادس من نونبر سنة 1975، انطلق 350 ألف متطوع ومتطوعة في مسيرة سلمية نحو الصحراء المغربية، بعد أن أقرت محكمة العدل الدولية بوجود روابط البيعة بين القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب. جسدت هذه المسيرة الإجماع الوطني حول وحدة التراب المغربي، ورسخت الشرعية التاريخية والقانونية للمغرب على صحرائه.
واصل المغرب بقيادة الملك الحسن الثاني مسيرة البناء والإنماء، فتم تعزيز الأمن والبنية التحتية في الأقاليم الجنوبية، من طرق وموانئ ومرافق اجتماعية، قبل أن يطلق سنة 1988 مبادرة “الوطن غفور رحيم” التي فتحت الباب أمام المصالحة الوطنية. كما شهدت تسعينيات القرن الماضي انطلاقة مسيرة الجهات لترسيخ اللامركزية والتنمية المجالية.
ومع اعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999، انطلقت مرحلة جديدة من تثبيت الوحدة الترابية، إذ قدم المغرب سنة 2007 مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية، التي اعتبرها المجتمع الدولي مبادرة “جدية وذات مصداقية”. وتواصلت الإنجازات بإطلاق النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية سنة 2015، بميزانية فاقت 85 مليار درهم، شمل مشاريع كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، والطريق السريع تزنيت–الداخلة، ومحطات الطاقة المتجددة.
أما اليوم، وبعد مرور خمسين سنة على المسيرة الخضراء، أصبحت الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا واعدا، ومركزا للاستثمار والانفتاح على إفريقيا والعالم. كما تعززت مكانة المغرب الدولية بتوالي الاعترافات بمغربية الصحراء وافتتاح عشرات القنصليات بالعيون والداخلة، تأكيدا للدعم المتنامي لوحدة المملكة الترابية.
إن المسيرة الخضراء لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل كانت رؤية استراتيجية لبناء مغرب قوي وموحد، يسير بخطى ثابتة نحو المستقبل، مؤمنا بأن قضية الصحراء ليست قضية حدود، بل قضية وجود ووطن.





