أطلال سيدي البرنوصي… مشهد صامت لهدر المال العام وغياب المراقبة

ع.مشواري

في قلب مقاطعة سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، تتجسد مأساة عمرانية وإنسانية صامتة، حيث تحولت مجموعة من البنايات والمرافق العمومية إلى أطلال مهجورة تروي فصولا من الإهمال وسوء التدبير. هذه المشاريع التي كان يفترض أن تضفي على المنطقة طابعا عمرانيا حديثا وتحسن من جودة الحياة، أصبحت اليوم شاهدة على واقع مؤلم من التدهور والعشوائية في الإنجاز وضعف المراقبة والمساءلة.

عند المرور بجوار هذه المنشآت، تصدم الزائر مشاهد الخراب: أرضيات متشققة، جدران متآكلة، أعمدة إسمنتية مكشوفة، ونفايات مبعثرة بين بقايا البناء. أما المساحات الخضراء التي أنفقت عليها أموال عمومية معتبرة، فقد تحولت إلى عشب يابس مهمل أو إلى تراب أحمر قاحل، في غياب تام لعمليات الصيانة والسقي، وغياب واضح للرؤية البيئية والحماية المستدامة لهذه الفضاءات.

المثير للاستغراب أن هذه المظاهر تقع على مرأى من مقر مجلس المقاطعة، دون أن يحرك ذلك ساكنا لدى المسؤولين المحليين، وكأن الأمر لا يعنيهم. ورغم أن هذا المشروع يعود إلى المجالس السابقة التي أطلقت الأشغال دون متابعة حقيقية، فإن المجلس الحالي بدوره “داير عين ميكة”، متجاهلا حجم الخسائر ومظاهر التردي التي تطال المرافق العمومية، وكأن الإهمال أصبح قاعدة لا استثناء في تدبير الشأن المحلي. فرغم الخطابات الرسمية التي تمطر المواطنين بحديث الإنجازات والمشاريع التنموية، يظل الواقع الميداني دليلا قاطعا على هشاشة المراقبة، وضعف آليات تتبع الصفقات العمومية، وغياب المساءلة في تدبير المال العام.

وتشير بعض المصادر المحلية إلى أن إحدى هذه البنايات كانت مخصصة لتكون مكتبة عمومية، غير أن المشروع توقف في منتصف الطريق دون تبرير مقنع، لتبقى البناية مغلقة ومهجورة، محاطة بالأتربة والأعشاب اليابسة. كما تم تسجيل خروقات في بعض مشاريع التهيئة المرتبطة بالمساحات الخضراء، سواء على مستوى جودة المواد المستعملة أو في احترام آجال الإنجاز، في خرق صريح لمقتضيات القانون رقم 54.05 المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العمومية، وللقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات المحلية، اللذين يلزمان الجماعات الترابية بمبادئ الشفافية والنزاهة وربط المسؤولية بالمحاسبة.

لقد صار هذا الواقع رمزا لهدر المال العام وغياب الحكامة الرشيدة، في وقت تتزايد فيه معاناة الساكنة من نقص الفضاءات الترفيهية وضعف البنية الجمالية للحي. ومع اقتراب نهاية الولاية الانتخابية الحالية، تعالت أصوات المواطنين والفاعلين المدنيين مطالبة بفتح تحقيق نزيه وشفاف حول أسباب هذا الإهمال، وتحديد المسؤوليات الإدارية والتقنية والمالية، وتفعيل المساطر القانونية في حق كل من ثبت تقصيره أو تورطه في سوء التدبير.

فالإصلاح الحقيقي لا يتحقق بالشعارات، بل بإرادة سياسية تكرس مبادئ الحكامة والمحاسبة، وتجعل من المرفق العمومي خدمة للإنسان لا وسيلة لتجميل التقارير. إن ما يحدث في سيدي البرنوصي ليس مجرد خللٍ عمراني، بل رسالة مؤلمة عن غياب ثقافة الصيانة والمسؤولية، وعن حاجة ملحة لإعادة الاعتبار للفضاءات العمومية لتستعيد روحها ومكانتها في حياة المواطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى