من الفساد الموثق إلى شعار لم الشمل: أين اختفى الاتهام.. وأي رواية سيحكيها لنا نائب الرئيس؟

ع.مشواري
في مشهد سياسي غارق في الغموض، عرف مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي تحولا مثيرا للجدل، بعدما انتقل نائب الرئيس من موقع الخصومة والاتهام إلى موقع المصالحة والمساندة. خطوة فاجأت الرأي العام وأثارت سيلا من الأسئلة حول دوافعها وما إن كانت تصب فعلا في مصلحة الساكنة أم في حسابات ضيقة لا يعرف تفاصيلها سوى أطرافها.
على مدى سنتين كاملتين، ظل النائب الأول يطل على الساكنة عبر فيديوهات وتصريحات نارية، متهما الرئيس بالفساد وسوء التسيير، ومقدما وثائق كان يعتبرها أدلة دامغة على خروقات خطيرة. لم يكتف بذلك، بل قام بعدة خرجات ميدانية، مؤكدا على ما سماه “العبث في التدبير”، حتى أصبح ينظر إليه كصوت معارض لا يهادن.
غير أن المشهد انقلب رأسا على عقب في الأسابيع الأخيرة ودخلنا على الحلقة الاولى من مسلسل سامحيني ، حين خرج النائب عبر لقاء إعلامي ليعلن مبادرة صلح مع الرئيس، مؤكدا على ضرورة “لم الشمل”. ولم يقف الأمر عند هذا التصريح، بل تجسد بشكل أوضح خلال دورة شتنبر الأخيرة، حيث جلس إلى جانب الرئيس وأعلن عن “معاهدة صلح” بين الطرفين، من دون أي إشعار مسبق للرأي العام أو حتى لمناصري النائب الذين ساندوه طيلة سنوات المواجهة.
وهنا يبرز السؤال الجوهري: أين تبخر كل ذلك الفساد الذي كان النائب يوثقه ويعرضه للساكنة على مدى عامين؟ وكيف تحولت الاتهامات الثقيلة إلى دعوات للتوافق والانسجام؟ أليس من حق الساكنة أن تفهم ما جرى في الكواليس، وما الذي غير المواقف بهذا الشكل المفاجئ؟
إن ما يزيد الصورة التباسا هو التدوينة الأخيرة للنائب الأول، التي وعد فيها ببيان توضيحي يوم الجمعة. فهل سيكشف هذا البيان عن تفاصيل الصفقة، أم سيكتفي بتبريرات عامة تزيد من حيرة المتابعين؟
الساكنة من جانبها لا تخفي استغرابها، وتردد بمرارة المثل الشعبي: “دخول الحمام ماشي بحال خروجو”، في إشارة إلى أن ما قيل خلال سنوات المعارضة لا يمكن أن يمحى بين ليلة وضحاها، وأن الذاكرة الجماعية ليست بالهشاشة التي يراهن عليها البعض.
في النهاية، يبقى السؤال معلقا: هل ما وقع مصالحة حقيقية من أجل خدمة المقاطعة وساكنتها، أم مجرد صفقة عابرة ظاهرها “التوافق” وباطنها “تبادل المنافع”؟