تورينو… مدينة الجمال الأوروبي والحضور المغربي الأصيل

بين أحضان جبال الألب وفي شمال إيطاليا، أعيش هذه الأيام تجربة فريدة في مدينة تورينو، إحدى أرقى المدن الإيطالية من حيث التاريخ والثقافة والحضارة. هذه المدينة، التي كانت ذات يوم عاصمة لإيطاليا الموحدة، تأسر الزائر بجمالها المعماري الهادئ، وساحاتها الواسعة، وشوارعها المظللة بالأشجار والمقاهي التي تفوح منها رائحة القهوة الإيطالية.

لكن ما يميز تورينو بالنسبة لي ليس فقط طابعها الأوروبي الكلاسيكي، بل أيضا الحضور القوي والمشرّف للجالية المغربية التي أضفت على المدينة نكهة خاصة. منذ لحظاتي الأولى هنا، شعرت بالفخر وأنا أرى أبناء بلدي يساهمون في بناء هذا المجتمع بكل فخر وجدية، مندمجين بذكاء، محافظين على جذورهم، وممثلين للمغرب أفضل تمثيل.

وفي قلب هذا الحضور المغربي النشيط، لفت انتباهي أحد الوجوه البارزة في مجال ريادة الأعمال، وهو الأخ ياسين العمراني، أحد أبرز المقاولين المغاربة في المدينة. يدير ياسين مقهى شعبيا في تورينو، تحول بمرور الوقت إلى نقطة التقاء يوميّة لعدد من أبناء الجالية المغربية. هذا المكان لا يقدم القهوة فحسب، بل يقدم أيضا الدفء والرفقة والروح المغربية الأصيلة. فيه تناقش شؤون الجالية، وتستعاد الذكريات، وتبنى العلاقات بين المغاربة الذين جمعتهم الغربة ووحدتهم المحبة.

ما يقوم به ياسين يتجاوز مجرد تسيير مشروع تجاري، بل هو عمل اجتماعي بامتياز. لقد نجح في خلق فضاء يجمع بين العمل والهوية والانتماء، وهو بذلك يساهم في تعزيز التماسك بين أفراد الجالية، ويدعم فكرة أن النجاح في المهجر لا يقتصر على الجانب المهني فقط، بل يشمل أيضا البعد الإنساني والثقافي.

وفي خضم هذه التجربة، كان لي شرف اللقاء أيضا مع اثنين من خيرة أبناء الجالية المغربية في تورينو: الأخ رشيد أكسادي والأخ رشيد صبير. الأول يتميز بحضوره المجتمعي الفعّال ومبادراته التي تدعم الشباب وتساعدهم على الاندماج، والثاني يعرف بدوره الثقافي والديني والتوعوي الذي يعزز صلة المغاربة بهويتهم وتقاليدهم.

تورينو ليست فقط مدينة للزيارة، بل مساحة للعيش، للتعلم، وللتأمل في قدرة الإنسان على الاندماج دون أن يذوب، وعلى التمثيل دون أن يتنازل عن أصالته. أشعر هنا أنني في حضن مدينة أوروبية، لكن بنبض مغربي لا تخطئه العين ولا القلب.

ختاما، يمكنني القول إن إقامتي في تورينو ليست مجرد رحلة عابرة، بل تجربة غنية بالأبعاد الثقافية والإنسانية. وكل من يزور هذه المدينة، سيكتشف أن للمغاربة هنا قصة نجاح تُروى بكل فخر واعتزاز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى