الصحراء المغربية في ميزان القوى الدولية: انتصارات متتالية

مع اقتراب الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، تتهيأ المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، لدخول مرحلة مفصلية في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، والذي طال أمده لعقود، وأراد له خصوم المملكة أن يكون عبئا دائما على وحدة البلاد واستقرارها.

وفي خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، وضع الملك محمد السادس ملامح التحول المنتظر، معلنا بوضوح الانتقال من مرحلة “التدبير” إلى مرحلة “الحسم والتغيير”، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، بما يؤشر إلى دخول المغرب في مرحلة جديدة من التعاطي مع هذا الملف، قائمة على المبادرة والحزم.

واكتسب هذا التحول زخماً إضافيا بدعم متزايد من قوى دولية وازنة، أبرزها المملكة المتحدة، التي عبرت مؤخرا عن تأييدها الصريح لمقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007، معتبرة إياه الحل الأكثر جدية وواقعية لإنهاء النزاع بشكل دائم. ويأتي هذا الموقف البريطاني في سياق دولي يعرف تغيرا في موازين المواقف، بعد اعترافات سابقة من قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.

وتكتسي المواقف الدولية أهمية مضاعفة بالنظر إلى عضوية هذه الدول الدائمة في مجلس الأمن، ما يمنح المغرب دعما حاسما داخل هذه الهيئة الأممية. وحتى في ظل وجود آلية “الفيتو”، فإن العلاقات المتينة التي تجمع المغرب بكل من روسيا والصين تقلص من احتمالية استخدام هذا الحق ضد مصالحه.

وبحسب ميثاق الأمم المتحدة، فإن امتناع عضو دائم عن التصويت لا يعد عائقا أمام تمرير قرار، ما دام يحظى بتأييد تسعة أعضاء على الأقل. وتشير الوقائع الحالية إلى أن أغلب الأعضاء غير الدائمين في المجلس إما يدعمون المبادرة المغربية أو سحبوا اعترافهم بجبهة البوليساريو، في خطوة تكرس عزلتها المتزايدة، ولا سيما أن الجزائر تظل الطرف الوحيد داخل المجلس الذي يعارض الموقف المغربي.

وتمكن المغرب، خلال السنوات الأخيرة، من اختراق مناطق جغرافية كانت تقليديا مناوئة له، لا سيما في أوروبا الشمالية، حيث بدأ الدعم البريطاني ينعكس تدريجيا على مواقف عدد من الدول الإسكندنافية، التي طالما تأثرت سابقا بنفوذ المال الجزائري والدعاية الانفصالية.

ومن اللافت أيضا التحول الواضح في مواقف دول الجوار، خاصة إسبانيا، التي تعد فاعلا أساسيا في الملف، إلى جانب مواقف متنامية داخل الاتحاد الأوروبي تميل إلى تأييد الطرح المغربي، ما يعزز التوجه الدولي نحو إنهاء هذا النزاع المفتعل على أساس مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

وفي ظل هذا المشهد المتغير، جاءت دعوة الملك محمد السادس لتكون بمثابة نداء وطني جامع، يدعو فيه إلى تجاوز مرحلة رد الفعل والمرور إلى الفعل الاستباقي، من خلال تقوية الجبهة الداخلية، وتعبئة شاملة يكون فيها لكل مواطن دور في الدفاع عن القضية الوطنية.

كما تظل مسؤولية الدبلوماسية المغربية، الرسمية منها وغير الرسمية، قائمة في مواصلة الترافع الممنهج، قانونيا وتاريخيا، من أجل إقناع الأطراف المترددة وتفنيد مزاعم الخصوم، تأكيدا على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي، وأن اللحظة الحالية تحمل كل مؤشرات الحسم بعد خمسة عقود من الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى