مجلس سيدي البرنوصي بين الإتهامات والإقالات…مشهد سياسي يترنح قبل الإنتخابات

ع.مشواري
الهدوء الظاهر في مقاطعة سيدي البرنوصي يخفي توترا متصاعدا بين رئيس المجلس ونائبه الأول، صراع يتوسع يوماً بعد يوم ويهدد استقرار المؤسسة قبيل الانتخابات المقبلة.
منذ أن خرج النائب الأول بتصريحات تحدث فيها عن ما وصفه بـ”الفساد داخل المقاطعة”، ظل الرئيس في موقف المتفرج دون اتخاذ أي إجراء قانوني لمواجهة هذه الاتهامات، رغم ما تحمله من إساءة مباشرة للمجلس بصفته مؤسسة وللرئيس شخصيا. وفي مثل هذه الحالات، كان من الأجدر بالرئيس اللجوء إلى المسار القضائي لحماية سمعة المؤسسة وصون مكانتها، غير أن تجاهله لهذه الخطوة يثير أكثر من علامة استفهام ويشير إلى مواقف غير معلنة بين السطور.
وصل التصعيد ذروته حين أعلن المجلس، في بداية الشهر الجاري، عن عقد دورة استثنائية تضمنت ضمن جدول أعمالها بندا مثيرا يتعلق بالتصويت على إقالة النائب الأول عصام الكمري، بعد أن تلقى دعوة رسمية من الرئيس لحضور الجلسة. هذا القرار كان الشرارة التي أشعلت المواجهة مجددا، إذ خرج النائب الأول عبر بث مباشر أمام الساكنة معلنا استقالته بشكل مفاجئ، وموجها اتهامات جديدة لما أسماه “الجهات التي تحاول إسكات الأصوات المنتقدة”.
غير أن رئاسة المجلس سارعت إلى إصدار توضيح رسمي أكدت فيه أن المؤسسة لم تتوصل إلى حدود الساعة بأي استقالة مكتوبة من النائب الأول، ما زاد الموقف غموضا وأثار تساؤلات حول جدية إعلان الاستقالة ومآلها القانوني، خاصة أن ما جرى أدرج في البداية ضمن بند “الإقالة”، قبل أن يتحول إعلاميا إلى “استقالة مباشرة”.
تزامن ذلك مع استمرار خرجات النائب المتكررة، التي تتسم غالبا بالعفوية والانفعال، وتتناول ملفات تعتبر “شبهات فساد وتجاوزات في التسيير”، وهو ما دفع بعض المتتبعين لوصفها بأنها خرجات انتخابية مبكرة أكثر من كونها مواقف مبدئية. في المقابل، فضل بعض المساندين السابقين للنائب التريث، فيما اختار آخرون الانسحاب من دائرة الجدل، في انتظار ما ستسفر عنه التطورات القادمة.
ولم يقتصر الأمر على الصراع السياسي فحسب، بل امتد إلى الميدان الرياضي، بعد أن أصدر المكتب المسير لفريق الرشاد البرنوصي، الذي يرأسه مستشار بالمجلس نفسه، بيانا قرر فيه التشطيب على النائب بحكم كونه منخرطا بالنادي، وتضامنا مع عامل المنطقة. وقد أثار هذا القرار جدلا واسعا، إذ اعتبره بعض المراقبين محاولة لخلط السياسة بالرياضة، في وقت يحتاج فيه الفريق إلى تركيز الجهود على إنقاذه بدل الزج باسمه في الصراعات الحزبية. كما رأى آخرون أن الخطوة تحمل دلالات انتخابية مبكرة، خصوصا مع اقتراب موعد الاستحقاقات المقبلة.
في ظل هذا التراشق المتواصل بين الإقالة المعلنة والاستقالة المنفية، يبدو مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي اليوم في قلب أزمة حقيقية عنوانها غياب الانسجام وتبادل الاتهامات وارتباك القرارات. ومع اقتراب موعد الانتخابات، تتزايد المؤشرات على أن ما يجري ليس سوى فصل جديد من حملة انتخابية غير معلنة، تستعمل فيها لغة الفضائح بدلا من لغة الإنجاز.
ويبقى المواطن في سيدي البرنوصي، وسط كل هذا الصخب، الضحية الأولى لصراع كسر العظام بين من يفترض فيهم خدمة الصالح العام. وبين إقالة على الورق واستقالة مباشرة، تضيع الحقيقة كما تضيع معها هيبة المؤسسة المنتخبة، التي تحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات بدل أن تكون فضاء للتدبير المسؤول والشفاف.





