مباركة بوعيدة: نموذج المرأة الصحراوية في السياسة وريادة الأعمال

في المشهد السياسي والاقتصادي المغربي، برزت مباركة بوعيدة كواحدة من الشخصيات النسائية التي جمعت بين الكفاءة والممارسة، مستندة إلى إرث قبلي داعم لاستقرار الدولة ووحدتها، مع طموح لا يهدأ للتميز والنجاح. تشغل اليوم منصب رئيسة جهة كلميم – واد نون، إضافة إلى رئاستها لجمعية جهات المغرب، كما أنها عضو في المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار.

تؤمن بوعيدة بأهمية تجاوز الخطاب الشعبوي الذي طغى على الساحة السياسية، وتسعى إلى قيادة التغيير بواقعية ومسؤولية. تطمح لأن تكون أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة المغربية، مستندة إلى خبراتها المتراكمة في العمل السياسي والدبلوماسي. كما أنها تلتزم برؤية الدولة المغربية في تعزيز العلاقات مع إفريقيا، وتؤمن بضرورة التعاون جنوب – جنوب كأولوية استراتيجية، وفق توجيهات الملك محمد السادس.

نشأت بوعيدة في عائلة سياسية لها باع طويل في النضال والدفاع عن قضية الصحراء المغربية، ما جعلها تتشبع منذ صغرها بالعمل السياسي. بدأت مسيرتها السياسية الفعلية بالانضمام لحزب التجمع الوطني للأحرار، وشاركت في الانتخابات التشريعية عام 2007، لتصبح أصغر برلمانية في ذلك الوقت. لم تكتف بالحضور الرمزي، بل انخرطت بجدية في العمل البرلماني، حيث ترأست لجنة الخارجية والدفاع الوطني، وساهمت في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

إلى جانب مسيرتها السياسية، خاضت بوعيدة تجربة ناجحة في عالم الأعمال، حيث تحملت مسؤوليات قيادية في شركة العائلة “بيتروم” المتخصصة في نقل وتوزيع الغاز. أكاديميا، استكملت دراستها العليا في المدرسة العليا للتدبير بالدار البيضاء، قبل أن تنتقل إلى فرنسا لدراسة التجارة، ثم واصلت تحصيلها في بريطانيا، ما أهلها لتكون ضمن قائمة “القادة العالميين الشباب” للمنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2012.

تمكنت بوعيدة من أن تصبح أول امرأة صحراوية تتولى منصب وزيرة منتدبة في وزارة الشؤون الخارجية والتعاون عام 2013، حيث لعبت دورا محوريا في الملفات الدبلوماسية، خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والدول الإفريقية. كما ساهمت في دعم المشاريع التنموية وتعزيز مكانة المغرب كقوة إقليمية في القارة السمراء.

بعد سنوات من العمل السياسي والدبلوماسي، تولت بوعيدة رئاسة جهة كلميم – واد نون، حيث تواجه تحديات كبيرة تتعلق بالتنمية المحلية، مكافحة البطالة، وتعزيز البنية التحتية. تدافع بقوة عن تحسين أداء الجماعات المحلية، وترى أن الجهوية المتقدمة تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتقوية الديمقراطية المحلية.

لا تخلو مسيرة بوعيدة من التحديات، حيث تواجه انتقادات من بعض الأطراف المعارضة، خصوصا فيما يتعلق بتدبير ميزانيات الجهة. ومع ذلك، تعتمد على مهاراتها التواصلية وخبرتها السياسية للرد على هذه الاتهامات، مؤكدة أن كل القرارات تتخذ وفق رؤية تنموية واضحة تخدم مصالح الجهة وسكانها.

تؤمن بوعيدة بأن المغرب بحاجة إلى قيادات سياسية تواكب التحولات الراهنة، وتشجع الشباب على الانخراط في العمل السياسي للمساهمة في بناء مستقبل أفضل. وهي ترى أن تجربة الجهوية المتقدمة تمثل نموذجا قابلا للتطبيق في القارة الإفريقية، حيث تسعى لتعزيز التعاون بين الجهات الإفريقية وتبادل الخبرات في مجال التنمية المحلية.

مباركة بوعيدة ليست مجرد سياسية عابرة في المشهد المغربي، بل هي نموذج للمرأة الصحراوية الطموحة التي استطاعت أن تثبت جدارتها في السياسة، الاقتصاد، والدبلوماسية. برؤيتها المتجددة، تسعى لإحداث تغيير حقيقي على المستوى المحلي والوطني، واضعة نصب عينيها هدف تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز مكانة المرأة المغربية في مواقع القرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى