كلمة السيد وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي بمناسبةالتصويت في الجلسة العامة بمجلس المستشارين على مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بالمسطرة المدنية

كلمة السيد وزير العدل الأستاذ عبد اللطيف وهبي :

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

وعلى آله وصحبه أجمعين

السيد رئيس مجلس المستشارين المحترم؛

حضرات السيدات والسادة المستشارين المحترمين؛

يسعدني أن أحضر أمام مجلسكم الموقر، هذه الجلسة العامة المخصصة للمناقشة والتصويت على مشروع قانون رقم 02.23 المتعلق بقانون المسطرة المدنية في إطار استكمال المسطرة التشريعية، وذلك بعد أن وافقت عليه لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين.

حيث يشكل هذا المشروع في أساسه تجسيدًا للإرادة الملكية السامية التي عبر عنها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصرُه الله في خطابه التاريخي لـ 20 غشت 2009، بمناسبة تخليد ذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب المجيد، في إطار توجيه الحكومة للشروع في تفعيل مشروع إصلاح القضاء في ستة مجالات ذات أسبقية، حيث دعا جلالته حفظه الله إلى “الرفع من النجاعة القضائية للتصدي لما يعانيه المتقاضون من هشاشة وتعقيد وبطء العدالة، وهذا ما يقتضي تبسيط وشفافية المساطر، والرفع من جودة الأحكام والخدمات القضائية، وتسهيل ولوج المتقاضين إلى المحاكم، وتسريع وتيرة معالجة الملفات، وتنفيذ الأحكام”.

ويعمل هذا المشروع على ترجمة اختيارات الدستور الواردة في باب السلطة القضائية فيما يتعلق بحماية حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة، ويواكب القوانين الاجرائية المقارنة، ويتلائم مع المواثيق الدولية ذات الصلة، وكذا توصيات النموذج التنموي الجديد، ولاسيما تلك التي تؤكد على أهمية تحسين أداء المحاكم، والتقليص من بطء العدالة بالانتقال من محكمة تقليدية إلى محكمة إلكترونية، وتحسين آليات التنسيق بين الفاعلين والمتدخلين في منظومة العدالة.

السيد الرئيس المحترم؛

حضرات السيدات والسادة المستشارين المحترمين؛

يشرفني أن أعرب لكم عن شكري الخالص على استحضاركم لروح التعاون الإيجابي والبناء، والتوافق العميق والفعال من أجل المساهمة في إخراج هذا المشروع بما قدمتموه من تعديلات وإضافات قيمة التي بلغ مجموعها ما يفوق 549 تعديلا، تتوزع كما يلي:

– فرق الأغلبية 170 تعديلا؛

– الفريق الحركي 245 تعديلا؛

– الفريق الاشتراكي 34 تعديلا؛

– الاتحاد المغربي للشغل 59 تعديلا؛- مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل 20 تعديلا؛

– ممثلا الاتحاد الوطني للشغل 21 تعديلا.

تم قبول حوالي 181 تعديلا، وذلك بقصد إغناء نص المشروع وتجويد صياغته التشريعية بما يخدم مصلحة العدالة ويحقق الامن القانوني.

وعلى مستوى مسار إعداد مشروع هذا القانون، فقد قطع مجموعة من المحطات الأساسية، وهي:

– أولا: بتاريخ 31 يناير 2022 تمت إحالة مشروع هذا القانون إلى الأمانة العامة للحكومة، التي تولت إحالته على القطاعات الحكومية المعنية التي وافقت عليها ليُعرض بعد ذلك على مجلس حكوميبتاريخ 3 نوفمبر 2022؛ وقررتعميق النقاش حوله؛

– ثانيا: بتاريخ 24 غشت 2023 تمت المصادقة على مشروع هذا القانون بمجلس الحكومة؛

– ثالثا: بتاريخ 09نونبر2023أحيل إلى البرلمان وتم تقديمه أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، حيث تم التصويت عليه من طرف لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بتاريخ 19 يوليو 2024 في مناقشة إذ تقدمت الفرق النيابية بأكثر من1160 تعديلا على مشروع هذا القانون، وافقت اللجنة المختصة على 256 تعديلا كليا،و65 تعديلا جزئيا، ولم تقبل الباقي؛

– رابعا: بتاريخ 23 يوليو2024 تمت المصادقة التشريعية بالأغلبية في الجلسة العامةعلى مشروع قانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية بمجلس النواب.

– خامسا: بتاريخ 18 شتنبر2024أحيل مشروع هذا قانون رقم 02.23 يتعلق بالمسطرة المدنية، أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين عملا بأحكام الدستور والنظام الداخلي لمجلس المستشارين والتي عقدت بشأنه خمس (05) اجتماعات، خصصت للمناقشة التفصيلية لكل مادة على حدى، التي كللت بالتصويت بالإجماع على التعديلات المقدمة من طرف الفرق البرلمانية، بتاريخ 07 ماي 2025، أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين، بعد آخر جلسة للمناقشة العامة والتفصيلية لمواد مشروع هذا القانون بتاريخ 15 يناير 2025.

وتتمثل أهم التعديلات الجوهرية التي تم ادخالها على هذا المشروع من قبل أعضاء اللجنة فيما يلي:

– حذف المقتضيات المتعلقة بالتغريم بقصد ضمان تمتع المتقاضين بحق الولوج الى العدالة وكفالة اللجوء الى القضاء وفق ارادة المشرع الدستوري في المواد المتعلقة برفع الدعاوى وتقديم الدفوع ومسطرة التجريح القضاة. المواد 10و62 و340.

– إعادة النظر في قواعد عدم الاختصاص النوعي بالتنصيص على وجوب بت المحكمة أو القسم المتخصص بحكم مستقل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي. مع امكانية استئنافه خلال أجل عشرة أيام (10) من تاريخ التبليغ به.وإذا بتت محكمة الدرجة الثانية في الاختصاص أحالت الملف تلقائيا على المحكمة المختصة، على أنه لا يقبل قرار محكمة الدرجة الثانية أي طعن عاديا كان أو غير عادي، مع عدم جواز إثارة الدفع بعدم الاختصاص النوعي لأول أمام محكمة النقض؛ المادة 27 

– مراجعة معيار الاختصاص القيميللمحاكم الابتدائية بالنظرابتدائيا وانتهائيا إلى غايةعشرة آلاف (10.000) درهم، وابتدائيا، مع حفظ حق الاستئناف، في جميع الطلبات التي تتجاوز عشرة آلاف (10.000) درهم، وذلك حتى لا يتم حرمان فئات عريضة من المتقاضين من الحق في الطعن بالاستئناف،المادة 30؛

– التنصيص على أن القسم المتخصص في القضاء التجاري بمحكمة الاستئناف، التي لا توجد محكمة استئناف تجارية في دائرة نفوذها، يختص بالبت في استئناف أحكام المحاكم الابتدائية التجارية، وأن القسم المتخصص في القضاء الادري بمحكمة الاستئناف، التي لا توجد محكمة استئناف ادارية في دائرة نفوذها، يختص بالبت في استئناف أحكام المحاكم الابتدائية الادارية، وذلك في سياق الملاءمة مع المادتين 74 و 75 من قانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي؛ المادة 62 

– تقوية الدور الايجابي للقاضي في إدارة الدعوى المدنية وتسييرها،بحيث تضمن المشروع مجموعة من مقتضيات التي خول من خلالها إعطاء القاضي آليات إجرائية لإظهار الحقيقة وتسهيل مهمة الفصل في الدعوى، وهو أمر لا يتنافى مع مبدأ حياد القاضي وعدم تحيزه للخصوم،ومن ذلك: إلزام المحكمة بإنذار الأطراف بتصحيح المسطرة. وتكليفهم للإدلاء بالمستندات التي يعتمدونها وبتدارك البيانات غير التامة أو التي وقع إغفالها،واجراء تحقيق في الدعوى والامر بالحضور الشخصي للأطراف.

– إمكانية تقديم مقال الطعن لمن تضرر من حكم قضائي بأي صندوق من صناديق المحاكم على أن يتم إرساله من طرف رئيس كتابة الضبط فورا إلى المحكمة المختصة، وذلك من أجل التكريس الفعال لمبدأ حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانونالمادتين 214 و351؛

– خلق الانسجام بين القضايا التي تبت فيها الهيئات القضائية، وهي مشكلة من قضاء الفردي في قانون التنظيم القضائي وفق احكام المادة 51 منه، وجعلها تخضع للمسطرة الشفوية في هذا المشروع. المادة 96.

– تخفيض قيمة الاختصاص بالنسبة الأحكام غير القابلة للطعن بالنقض بحيث حدد سقفه في الطلبات التي لا تتجاوز قيمتها ثلاثين ألف (30.000) درهم وذلك من أجل ضمان تمتيع المتقاضين بحق الطعن بالنقض من أجل مراقبة حسن تطبيق القانون.لمادة 375:

– سن مقتضيات جديدة تنص على أن الإنابات القضائية الدولية الواردة من الخارج تنفذ بنفس الطريقة التي تنفذ بها الإنابات الصادرة داخل أراضي المملكة وطبقا للتشريع المغربي، وكذلك الأمر بشأن عملية التناظر عن بعد مع مراعاة مبدأ العملة بالمثل، وأن وزير العدل هو الذي يحيل هذه الإنابات القضائية التي توصل بها من السلطات القضائية الأجنبية إلى السلطات القضائية المختصة المادة 618؛

– إعادة توزيع الاختصاص القضائي بين رئيس المحكمة الذي يبقى مختصا بالبت في الصعوبات الوقتية التي تثار بمناسبة التنفيذ الجبري للأحكام، وقاضي التنفيذ الذي يتولى الإشراف على إجراءاته ومراقبة سيره من قبل مأموري التنفيذ وتدليل العقبات المادية التي تعترضه.

– تعزيز حق الدفاع ، ذلك أن المشروع أكد على دور المحامي على مستوى تمثيل الأطراف أمام القضاء حتى في حالة الدعاوى التي تطبق فيها المسطرة الشفوية، فعزز  من ضمانات الدفاع ومركز المحامي في الدعوى المدنية باعتبار مكانته الاعتبارية تحت سيادة القانون وسلطة القضاء، فأصبح صلة وصل بين القضاء والمتقاضي، بحيث اعتبر المشروع أن إجراءات التحقيق في الدعوى من خبرة ومعاينة وأداء اليمين لا تتم بشكل قانوني إلا بحضور  المحامي أو بعد استدعائه بصفة قانونية، كما أنه وإن اعتبر مكتبه  موطنا للمخابرة معه، وتبلغ إليه الإجراءات القضائية المتخذة من طرف المحكمة، إلا أنه استثنى تلك التي تستلزم تحملات مالية إلا في حالة وجود اتفاق كتابي بين المحامي والمتقاضي.

أيها السادة: أن هذا المشروع الجديد لقانون المسطرة المدنية يشكل حجر الزاوية لباقي القوانين الإجرائية، والمدخل الاساسي لاستيفاء الحق الموضوعي، ويكون بذلك من أهم الضمانات القضائية لحماية الحقوق والحريات وتحسين جودة الخدمة القضائية في ضوء التحول الرقمي لمنظومة العدالة لجعل القضاء في خدمة المواطن، وتوفير شروط المحاكمة العادلة والمنصفة داخل اجال معقولة. مما يساهم في توطيد دعائم عدالة حامية في مجال المسألة الحقوقية باعتبارها معطى ثابت في السياسات العامة.

السيد الرئيس المحترم؛

حضرات السيدات والسادة المستشارين المحترمين؛

إن الوظيفة الأساسية لمحكمة النقض تهدف الى مراقبة حسن تطبيق القانون وتوحيد الاجتهاد القضائي لمحاكم الموضوع فيما يتعلق بتفسير وتأويل نصوص القانون، ولا تتم هذه العملية على الوجه الأكمل إلا إذا منحت محكمة النقض، كمحكمة قانون، آليات القانونية للفصل في مسائل قانونية محضة ذات صعوبة جدية محل اختلاف بين المحاكم، من أجل تحقيق النجاعة والفعالية في الممارسة القضائية وتوطيد الأمن القانوني والقضائي، وذلك وفق مسطرة دقيقة وواضحة.

وفي هذا السياق، فإن الحكومة في إطار هذه المبادرة التشريعية بناء على مقتضيات الدستور المنظمة للسلطة التشريعية ولا سيما الفصل 83 منه، تقدم تعديلا جوهريا على المادة 407 من هذا المشروع في الجلسة العامة.

وفي الختام، أود أن أوجه عبارات الشكر والامتنان وتحيات تقدير وإكبار للسيدات والسادة رئيس وأعضاء لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بهذا المجلس الموقر، على المجهودات التي بذلوها في دراسة ومناقشة هذا المشروع بكل اقتدار ومسؤولية، وعلى بعد النظر وعمق التحليل اللذين طبعا ملاحظاتهم وتعديلاتهم.

كما أتوجه بالشكر والتنويه إلى السيد رئيس المجلس والسيدات والسادة المستشارين المحترمين على تفضلهم، ببرمجة هذه الجلسة التشريعية العامة للتصويت على هذا المشروع الذي يندرج ضمن مسار الإصلاح الشامل والعميق للقضاء، بروح المسؤولية والوطنية الصادقة.

نسأل الله تبارك وتعالى، أن يوفقنا جميعا لبلوغ الإصلاح المنشود وذلك تحت القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله الراعي الأمين لمسار إصلاح منظومة العدالة، والله ولي التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى