شيخي يعدد أخطاء وهبي

وجه القيادي بالبيجيدي، نبيل شيخي، رسالة مفتوحة إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي على خلفية الأحداث التي عرفتها قبة البرلمان قبل أيام.
وعنون شيخي رسالته بعبارة “هل بقي لكم في القاع متسع؟”، لينضاف إلى أعضاء العادلة والتنمية، الذين خرجوا مساندين لزميلهم عبد الصمد حيكر.
وفي مايلي نص رسالة شيخي:
إلى السيد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل..
لا نكتب لك اليوم لنستفسر عن مآل القوانين، ولا عن إصلاح منظومة العدالة، فهذه أمور تبدو ثانوية أمام الإنجاز الأخلاقي غير المسبوق الذي حققته يوم الاثنين تحت قبة البرلمان. نكتب لك لأننا، وبكل صراحة، لم نتفاجأ.
نعم، لم تسقط علينا عباراتك كالصاعقة كما قد يظن البعض. بل كانت، لمن يملك ذاكرة، مجرد تكملة منطقية، وتطوراً طبيعياً لمسار طويل من الاستعلاء والوقاحة راكمتَهما طيلة ولايتك.
كيف نستغرب صدور هذه السقطات ممن دشّن مساره الوزاري بالتفتيش في “تقاشر” موظف بسيط؟
ألست أنت من تَوقٌف عن مهامه الجسيمة، وادعى بوقاحة قدرته على معرفة لون جوارب مسؤول جهوي، في مشهد من الإذلال العلني لم يسبقك إليه أحد؟ فمن يمتلك تلك النفسية التي تبيح له إحراج الناس في ملابسهم، لن يتردد لحظة في إحراجهم في عقولهم وأصولهم. المنطق واحد يا سيدي: أنا الوزير الغبي، ولا أبالي.
وكيف نستغرب أسلوبك اليوم، وأنت صاحب المقولة الخالدة في التفاخر الطبقي والمالي: “باه لاباس عليه وقرّاه في كندا”؟
في فضيحة امتحان المحاماة، احتقرتَ بمفهوم المخالفة أبناء الشعب لأن آباءهم فقراء ولم يدرسوهم في الخارج.
وكيف نستغرب بذاءتك اليوم، وأنت لا تزال مطوقاً بتلك الفضيحة المجلجلة التي لا تظنن للحظة أن المغاربة قد نسوها؟ فضيحة “الهبة العقارية” التي فاحت منها روائح التهرب الضريبي ومحاولة الالتفاف على حق الدولة.
فمن استسهل الولوغ في المال العام لا يُستغرَب منه أن يَلِغَ في أعراض الناس.
واليوم، وقبل أن تصل إلى القاع بشتم الوالدين، واصلت عنجهيتك المعهودة على النائبة المحترمة هند بناني الرطل، حين أحرجتك بالحجة والبرهان في مناقشة مشروع قانون العدول، وكشفت تهافت منطقك، فلم يتحمل كبرياؤك أن تناقشك وتفحمك وتكشف التفافك ونقض عهودك مع العدول. وبدل أن ترد بمقارعة قانونية تليق بوزير، رميتها بعبارة تفضح ضيق صدرك بالمعرفة: “سيري تقراي”.
ولم تكتفِ بهذا، بل وصفتَ مداخلتها الرصينة، وبكل وقاحة سياسية، بأنها “بيان مجلس قيادة الثورة”.
هكذا إذن! من يجادلك بالحجة تطلب منه أن يذهب ليدرس، ومن يعارضك سياسياً تصنفه انقلابياً.
ثم توجتَ هذا المسلسل المخزي بسقطة السقطات..
حين عجزتَ عن مواجهة النائب عبد الصمد حيكر، لم تجد مفراً سوى الهروب إلى الأمام، لتقصفه في أعز ما يملك، في والده، بعبارة: “الموسخ لي ولدك”.
الخيط الناظم واضح يا سيد وهبي، ولا يحتاج لذكاء:
▪️في “التقاشر” كان دافعك الغطرسة.
▪️وفي “كندا” كان دافعك الطبقية.
▪️وفي “الهبة العقارية” كان دافعك الجشع.
▪️وفي “سيري تقراي” و “بيان مجلس الثورة” كان دافعك العجز المعرفي.
▪️وفي عبارة “الموسخ” كان دافعك انعدام الحجة.
لقد اغرورقت عينا النائب حيكر بعد ذلك في حضرة المهداوي، ولكن إياك أن تخطئ في قراءة تلك الدموع أو تظنها انكساراً أمام انحطاطك.
إنها لم تكن أبداً دموع ضعف، بل كانت فيضاً إنسانياً طبيعياً من ابن بار مُسَّ في والده الذي غادر إلى دار البقاء، ولم يملك إلا أن يتأثر لذكرى من رباه.
لكنها في الجوهر، كانت دموع الأسى والحسرة؛ الأسى على ما وصلتَ إليه من رداءة، والحسرة على مستوى الانحطاط القيمي الذي جررتَ إليه مؤسسة دستورية عريقة. لقد كان حيكر يبكي نعي الأخلاق في العمل السياسي، بقدر ما كان يبكي والده.
وعليك أن تدرك جيداً يا سيد وهبي، حقيقة قد تؤلم كبرياءك:
إن ذلك الأب الذي تجرأتَ – بكل خفة – على وصفه بـ”الموسخ”، وهو في دار الحق وبين يدي أرحم الراحمين، هو أشرف وأطهر بما لا يقاس مما قد تسوّله لك نفسك، أو تتخيله حساباتك الضيقة.
يكفيه شرفاً، ويكفيه عزاً عند ربه، أنه أحسن التربية وغرس القيم، فأنجب للمغرب رجلاً بمعنى الكلمة.. نائباً شهماً، نظيف اليد واللسان، وشجاعاً اسمه عبد الصمد حيكر. هذا الابن الذي حاولتَ تحقيره هو الذي وقف في وجهك كالطود، ولم يرتعد أمام بذاءتك، بل كان المرآة الصادقة التي عرّت حقيقتك، وكشفت تهافت منطقك، وأسقطت ورقة التوت عن حداثتك المزعومة أمام الجميع.
فالوسخ، يا سيد وهبي، لا يلتصق بمن ربّى ابنه على الرجولة وقول الحق، بل يلتصق حصراً بلسان من نطق بالشتيمة، وبمن عجز عن المواجهة بالسياسة فلجأ إلى الطعن في الأحياء والأموات.
وبعد كل هذا السجل الحافل والمنحط، نسألك سؤالاً أخيراً:
هل بقي لك في القاع متسع؟ أم أنك بتصرفك هذا قد تجاوزت القاع، وحفرت تحته نفقاً جديداً من الانحطاط لم يسبقك إليه أحد؟





