“جدل أسعار اللحوم الحمراء في المغرب: بين ندرة الجودة واتهامات الجشع”

رغم الإجراءات العديدة والسياسات المتبعة للحد من غلاء أسعار اللحوم الحمراء في المغرب، وآخرها الدعوة الملكية للتخفيف من الإقبال على شعيرة الأضحية خلال عيد الأضحى المقبل، لا تزال الأسعار تواصل ارتفاعها بشكل يثير الجدل. فالأسواق تشهد تفاوتا في الأثمنة؛ إذ يصر بعض الجزارين على بيع الكيلوغرام الواحد بأسعار الأزمة، التي تتراوح بين 110 و120 درهما، بينما يعمد آخرون إلى تخفيضها لتقترب من 80 درهما.
وفي وقت توجه فيه جهات سياسية ومدنية أصابع الاتهام إلى ما تعتبره “جشع” بعض الجزارين، يقدم المهنيون تفسيرات مغايرة لسبب استمرار ارتفاع الأسعار. فحسب تصريحات عدد من المهنيين من مدينة الدار البيضاء ، فإن اللحوم التي تباع بأسعار مرتفعة تصل إلى 120 درهما، تعود لذبائح ذات جودة عالية من القطيع الوطني. وأوضح هؤلاء أن هذه اللحوم نادرة في السوق ويصعب الحصول عليها، كما أن كلفتها الأساسية مرتفعة للغاية، ما ينعكس على السعر النهائي.
وأضاف أحد المهنيين أن السوق يعرض أيضا لحوما مستوردة من دول مثل الباراغواي والبرازيل، لكنها تختلف في جودتها عن اللحوم المحلية، مشيرا إلى أن كلفة الإنتاج تظل عاملا حاسما في تحديد السعر، خاصة في المدن الكبرى.
وفي السياق ذاته، أوضح المصدر أن الذبح في مدينة الدار البيضاء يكلف الجزارين حوالي درهمين ونصف للكيلوغرام الواحد، أي ما يقارب 1000 درهم لذبح رأس واحد من الماشية، دون احتساب تكاليف النقل والمصاريف الإضافية. أما في مناطق أخرى من البلاد، فتحتسب كلفة الذبح على أساس الرأس الواحد، حيث تتراوح بين 150 و200 درهم.
وبخصوص الاتهامات المتعلقة بجشع الجزارين وحرصهم على إبقاء الأسعار في مستويات مرتفعة رغم المبادرات الحكومية، نفى المتحدث ذلك، مؤكدا أن الجزارين أيضا يرغبون في انخفاض الأسعار لتسهيل تصريف سلعهم وتحقيق أرباح معقولة، موضحا أن عزوف المستهلكين عن شراء اللحوم يضر بمصالحهم.
من جانبه، أشار جزار آخر إلى معضلة حقيقية تواجه القطاع، قائلا: “اعتاد زبائننا على جودة معينة، ونحن نحاول الحفاظ على نفس المستوى رغم ندرتها وارتفاع كلفتها، وفي المقابل، اللحوم الأرخص لا ترقى إلى المستوى المطلوب من الجودة”.
وعن تأثير الإحجام المتوقع عن ذبح الأضاحي في عيد الأضحى، أكد المتحدث أن لذلك الإجراء تأثيرا محدودا، مبرزا أن لحوم “الحولي” هي ما يعتمد عليه الجزارون حاليا. وأشار إلى أن نفاد هذه اللحوم مسألة وقت، ما يجعل الاستيراد خيارا لا مفر منه.
وتستمر أزمة اللحوم الحمراء في المغرب وسط تبادل للاتهامات بين المستهلكين والجزارين، في ظل تحديات موضوعية تتعلق بندرة الجودة وارتفاع التكاليف. وبين رغبة الدولة في التخفيف من الأعباء الاجتماعية وواقع السوق المتقلب، يبدو أن الحلول الجذرية لا تزال بعيدة المنال.