البيعة بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي: تاريخ متجذر ورؤية متجددة

في قلب الصحراء المغربية، تتجلى حكاية البيعة التي تربط القبائل الصحراوية بالعرش العلوي كواحدة من أبرز صور التلاحم الوطني في المغرب. لم تكن هذه البيعة مجرد إجراء شكلي أو تقليد عابر، بل ظلت على مدار القرون حجر الأساس في تعزيز الوحدة الوطنية وضمان استمرارية الترابط بين مختلف مكونات الأمة المغربية.
البيعة التي قدمتها القبائل الصحراوية للدولة العلوية منذ قرون، تعكس فهما عميقا لمفهوم الانتماء والوحدة. فهي تمثل عقدا اجتماعيا يدمج بين الطابع المحلي لهوية القبائل الصحراوية والانتماء الوطني الأشمل للمملكة المغربية.
عبد السلام مفلح، باحث في تاريخ القبائل الصحراوية، يوضح أن “البيعة ليست مجرد تقليد تاريخي، بل هي علاقة متجذرة تجمع بين الأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية، وقد لعبت دورا مركزيا في تحقيق الوحدة الوطنية وتعزيز هوية المغرب”. ويضيف أن “تاريخ تجديد البيعة في الفترات الحرجة يعكس استمرار هذا الرابط الذي تجاوز الزمن والسياسة ليصبح جزءا من الهوية المغربية المتجددة”.

من الناحية الاجتماعية، ترى أمينة الركيبي، فاعلة جمعوية من مدينة الداخلة، أن “البيعة تجسد هوية ثقافية متأصلة في المجتمع الصحراوي، فهي ليست مجرد تقليد موروث، بل تعبير عن الولاء والانتماء الذي يعبر الأجيال”. وأكدت أن “العمل الجمعوي يساهم في الحفاظ على هذا الإرث من خلال توعية الشباب بأهمية البيعة كمصدر للتماسك الاجتماعي الذي يجمع بين الماضي والحاضر”.
وأشارت الركيبي إلى أن “هذه العلاقة بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي ساهمت في تعزيز الوحدة بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، حيث تمثل البيعة جسرا يربط بين التقاليد المحلية ومتطلبات العصر الحديث”.
كما يرى إبراهيم ولد الدليم، فاعل حقوقي وباحث أكاديمي، أن “البيعة تمثل نموذجا فريدا في العلاقات السياسية والاجتماعية، حيث جمعت بين إرادة القبائل الصحراوية والسلطة المركزية في علاقة مبنية على التفاهم والاحترام المتبادل”.

ويضيف أن “التاريخ يشهد بأن هذه البيعة لم تكن أبدا مفروضة، بل جاءت تعبيرا عن إرادة حرة من القبائل الصحراوية التي اختارت طواعية الانضواء تحت لواء الدولة العلوية”. ويشير إلى أن “هذا النموذج يوفر درسا في كيفية التوفيق بين الخصوصية المحلية والانتماء الوطني، مع ضمان اندماج جميع المكونات في مشروع وطني مشترك”.
ولا تزال القبائل الصحراوية تؤكد باستمرار ولاءها للعرش العلوي، خاصة في ظل الظروف السياسية الراهنة التي تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية. شيوخ القبائل وأعيانها يعلنون في مناسبات مختلفة استعدادهم للدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يعكس قوة هذا الرابط التاريخي الذي صمد أمام تحديات الزمن.