الامتحانات الإشهادية بين رهانات النزاهة وتحديات الغش: شهادات ومقترحات لإصلاح الوضع

المصطفى لعريبي
خبير تربوي وفاعل في مجال العدالة وحقوق الإنسان
مع اقتراب مواعيد الامتحانات الإشهادية التي تشرف عليها وزارة التربية الوطنية، تتأهب مختلف مكونات المنظومة التربوية مركزيا وجهويا وإقليميا لإنجاح هذه المحطة الوطنية البارزة. غير أن هذه المناسبة لا تخلو من مظاهر سلبية تشوه صورتها وتؤثر على مصداقيتها، وقد رصدت من خلال تجربتي التربوية التي امتدت لأربعة عقود، بعض الظواهر المشينة التي تتكرر سنويا، ويمكن اختزالها في النقاط التالية:
- المرافقة المبالغ فيها من أولياء الأمور:
تحول مشهد مرافقة الأمهات لأبنائهن الممتحنين إلى طقوس غير مبرر أمام مراكز الامتحان، رغم أنه كان يقتصر سابقا على تلاميذ التعليم الابتدائي فقط. هذا السلوك يعكس نوعا من القلق الزائد وغير المجدي، ويضفي على الأجواء طابعا غير تربوي. - مظاهر نفسية سلبية بعد الامتحان:
يغادر بعض التلاميذ مراكز الامتحان وهم في حالات توتر مفرط، يعبرون عنها بتمزيق دفاترهم ونثر أوراقهم، في مشهد يعكس خللا في التهيئة النفسية والاستعداد الذهني لمثل هذه المحطات الحاسمة. - تبرير الغش والضغط النفسي:
يردد بعض الممتحنين تبريرات لتوقعهم تسهيلات في الغش، معتبرين أن ذلك حق مكتسب أو “مساعدة إنسانية”، كما صرحت إحدى المترشحات. وقد تصل ردود الفعل إلى تهديد المراقبين أو التهجم على الممتحنين المجتهدين الذين التزموا بالنزاهة. - صحافة هاوية عند أبواب المراكز:
توافد أشخاص بعضهم غير مهنيين مزودين بهواتف وكاميرات، يرصدون انفعالات التلاميذ ويسعون إلى تصيد الإثارة، دون احترام خصوصية الحدث أو ضوابط مهنة الصحافة. - انتشار أوكار الغش المنظم:
خلف الأبواب المغلقة وفي محلات مشبوهة، تعد أجهزة إلكترونية، وتحضر صفحات مصغرة وتجهز فرق متكاملة لقرصنة مواضيع الامتحان، ثم تحرير الأجوبة وإرسالها بسرعة عبر وسائل الاتصال الحديثة. هذه الشبكات تتكون من تلاميذ، وبعض الاساتذة، وأصحاب المحلات، ووسطاء. ورغم المتابعات القانونية، يجد بعض التلاميذ في هذا الخيار مهربا من الإحباط الاجتماعي وضغوط الأسرة. - تهاون بعض المكلفين بالحراسة:
يسجل تراجع في الانضباط داخل بعض قاعات الامتحان، حيث ينشغل بعض المراقبين بهواتفهم، أو يتكاسلون في أداء مهامهم، ما يفسح المجال لعمليات الغش العلني داخل القاعات.
انطلاقا من هذه المعاينة الميدانية، أوجه الدعوة إلى كافة المتدخلين لتحمل مسؤولياتهم، من أجل محاربة مظاهر الغش والفساد المرتبطة بمحطة الامتحانات، وصون قيم الشفافية وتكافؤ الفرص. وفي هذا السياق، أقترح الإجراءات التالية:
تعبئة السلطات المحلية والأمنية لمحاربة محلات الاستنساخ والتجهيزات الإلكترونية الخاصة بالغش، خصوصا خلال الموسم الدراسي.
رصد وتتبع أوكار الغش ومقدمي الخدمات غير القانونية، ومن بينهم أساتذة نظاميون ومياومون.
ضبط لوائح المدرسين غير المرخصين بدروس الدعم، وتتبع تحركاتهم أيام الامتحانات، حماية لنزاهة الاستحقاق الوطني.
ويبقى الأمل معقودا على جمعيات المجتمع المدني والمدرسي لتبني برامج تربوية جادة، تعيد الاعتبار للمدرسة، وترسخ قيم الاجتهاد، وتمنح المعلمين والتلاميذ مكانة لائقة في صلب الفعل المجتمعي.