الآبار العشوائية تغزو الدار البيضاء: بين استنزاف الموارد وتجاهل القوانين

ع.مشواري
في ظل التحولات المناخية التي يعرفها المغرب وتفاقم أزمة الجفاف، تتزايد المخاوف بشأن الأمن المائي الوطني. وقد حذر الملك محمد السادس في خطاب سامٍ من خطورة الوضع، داعيا إلى ضرورة تغيير جذري في نظرتنا وسلوكنا تجاه الماء، قائلا: “آن الأوان لنغير جذريا نظرتنا وسلوكنا تجاه الماء، من خلال تدبير الطلب عليه وعقلنة استهلاكه”. ورغم هذا التوجيه الواضح، فإن الممارسات على أرض الواقع تسير في اتجاه معاكس، خاصة في مدينة الدار البيضاء، التي أصبحت مسرحا لفوضى حقيقية تتعلق بحفر الآبار العشوائية واستغلال المياه الجوفية لأغراض تجارية بحتة.
ففي السنوات الأخيرة، شهدت أغلب مناطق الدار البيضاء، بما في ذلك سيدي البرنوصي، عين السبع، الحي الحسني، سباتة، وعين الشق، انتشارا متزايدا لحفر الآبار داخل الأحياء السكنية والتجارية، من دون الحصول على التراخيص القانونية المنصوص عليها في القانون رقم 36.15 المتعلق بالماء. وتستغل هذه الآبار في أنشطة تجارية مربحة مثل محطات غسل السيارات والمسابح الخاصة والحمامات، حيث يستهلك الماء بشكل مفرط ومنهجي، في غياب تام للمراقبة والزجر من قبل الجهات المعنية.
هذه السلوكات لا تقتصر فقط على مخالفة القانون، بل تشكل تهديدا مباشرا للفرشة المائية التي تعتبر أحد المصادر الأساسية لتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب. إن الحفر العشوائي الذي يتم دون دراسة تأثيره على البيئة أو الموارد الطبيعية يؤدي إلى استنزاف مخزون المياه الجوفية، ويسهم في الإخلال بالتوازن البيئي، خصوصا في مدينة تعرف توسعا عمرانيا سريعا وغير منظم.
المقلق في الأمر أن عمليات الحفر تجري بواسطة آلات كبيرة وعلنية، دون أن تلقى أي تدخل من السلطات أو أجهزة المراقبة، ما يطرح تساؤلات جدية حول فعالية تطبيق القانون وغياب إرادة حقيقية لوقف هذا النزيف المائي. كما أن بعض الفئات، خاصة المتوسطة والميسورة، تستغل هذه الثغرات لتأمين حاجياتها المائية الخاصة أو لخدمة مصالح تجارية، متجاوزة بذلك مبدأ التضامن الوطني والمسؤولية الجماعية.
في هذا السياق، يعتبر تجاهل هذه الظاهرة خرقا صريحا للتوجيهات الملكية التي شددت على أن الحفاظ على الماء مسؤولية وطنية تتطلب وعيا جماعيا، وتعاونا بين المواطنين والسلطات. فالتعامل مع الماء كما لو أنه مورد غير محدود يعكس سلوكا غير مسؤول ويزيد من حدة الاستنزاف، ما ينذر بأزمة مائية مستقبلية ستكون لها آثار كارثية على التنمية والاستقرار الاجتماعي.
إن مواجهة هذا الوضع تتطلب تحركا عاجلا وحازما من طرف السلطات، من خلال تفعيل آليات الرقابة، وتطبيق القوانين بصرامة، وإحالة المخالفين على العدالة، إلى جانب إطلاق حملات تحسيسية قوية حول أهمية ترشيد استهلاك الماء وخطورة استنزافه خارج الضوابط القانونية. كما يجب إعادة النظر في طرق تدبير الماء على المستوى الحضري، بما يضمن التوازن بين متطلبات التنمية والحفاظ على الموارد الطبيعية.
الماء ليس ملكا فرديا، بل هو ثروة وطنية وجب الحفاظ عليها بكل الوسائل، لأن الاستمرار في تبذيرها واستغلالها بشكل غير قانوني لن يؤدي سوى إلى تعميق الأزمة، وتهديد مستقبل الأجيال القادمة في ظل تحديات مناخية متسارعة. إن ساعة الحسم قد دقت، ولا مجال بعد اليوم للتهاون أو التساهل مع من يعبثون بأمننا المائي.