إصلاح مؤسسات الجالية المغربية بالخارج: بين التوجيهات الملكية وتأخر التنفيذ

في الذكرى الـ49 للمسيرة الخضراء، أعلن الملك محمد السادس عن توجيهات لإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية المغربية المقيمة بالخارج. جاءت هذه المبادرة الملكية لتضع حدا للتداخل في اختصاصات المؤسسات المعنية و”تشتتها”، وذلك عبر إنشاء هيئتين جديدتين: مجلس الجالية المغربية بالخارج كمؤسسة دستورية مستقلة، والمؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج كذراع تنفيذي للسياسات العامة. ورغم مرور شهرين على هذه التوجيهات، إلا أن أصواتاً من الجالية المغربية في مختلف الدول تعبر عن قلقها بشأن غياب خطوات ملموسة لتنفيذ هذه الإصلاحات.

في خطابه، دعا جلالة الملك محمد السادس إلى تسريع إخراج القانون الجديد المنظم لمجلس الجالية المغربية بالخارج، وتفعيل المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج. وتهدف هذه الإصلاحات إلى تحسين تمثيل الجالية وتوفير إطار أكثر كفاءة لتلبية احتياجاتها المتنوعة. لكن على الرغم من الوضوح الذي اتسمت به التوجيهات الملكية، يبدو أن التنفيذ على أرض الواقع يواجه تحديات وتأخيرات.

هناك ردود فعل غاضبة فمن إيطاليا، عبر يحيى المطواط، رئيس الفضاء المغربي الإيطالي للتضامن، عن استغرابه لغياب أي تحركات رسمية لتفعيل التوجيهات الملكية. وأشار إلى أن تنظيمات المجتمع المدني الممثلة للجالية المغربية المقيمة بالخارج تترقب بشدة إشراكها في صياغة هذه الإصلاحات.

وقال المطواط إن هذه التنظيمات تطالب الحكومة بعقد لقاءات تشاورية مع الجالية، للتأكد من أن هذه الإصلاحات تعكس احتياجاتهم الفعلية. كما أشار إلى وجود ضبابية حول أدوار وصلاحيات المؤسسة المحمدية وما إذا كانت ستتقاطع مع مهام مجلس الجالية، وهي المشكلة نفسها التي عانى منها مغاربة العالم سابقا حين تداخلت اختصاصات وزارة الجالية مع المجلس.

فأحد المحاور التي تثير قلق الجالية هو إمكانية تسييس المؤسسات الجديدة. فقد شدد المطواط على ضرورة أن يتم اختيار أعضاء هذه المؤسسات بناءا على الكفاءة والخبرة، بعيدا عن الولاءات الحزبية أو السياسية. واعتبر أن تعيين شخصيات تفتقر للخبرة في شؤون الجالية سيؤدي إلى إضعاف هذه الإصلاحات.

كما طالب بتوضيح المقصود بالكفاءات التي ستدير المؤسسة المحمدية، متسائلا ما إذا كان التركيز سيشمل رجال الأعمال، أو الرياضيين، أو الفنانين، وما هي الآليات التي سيتم اعتمادها لضمان شمولية التمثيل.

وفي ليبيا، عبر محمد حسن الواثق، رئيس جمعية الصداقة المغربية الليبية، عن مشكلات إضافية تعاني منها الجالية المغربية. وأوضح أن المغاربة في ليبيا يفتقرون إلى خدمات الضمان الاجتماعي والمساعدة القانونية. ودعا إلى تعزيز التنسيق بين القنصلية المغربية بليبيا والجهات الرسمية لضمان إيصال تصورات ومقترحات الجالية في هذا البلد.

واقترح الواثق تنظيم لقاءات تواصلية مع مغاربة ليبيا، على أن يتم اختيار المشاركين وفق معايير شفافة، لضمان التمثيل العادل للجالية.

فالتأخر في تنفيذ التوجيهات الملكية يثير مخاوف من أن تواجه هذه المبادرة نفس مصير الفصل 17 من الدستور، الذي نص على تمكين الجالية من المشاركة السياسية، لكنه ظل معطلا منذ إقرار دستور 2011. ويرى مراقبون أن الحكومة مطالبة باتخاذ خطوات ملموسة وسريعة لضمان تنفيذ هذه الإصلاحات، مع تعزيز التواصل مع مغاربة العالم ودمجهم في هذه العملية.

وتعتبر التوجيهات الملكية فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقة ثقة بين الجالية والمؤسسات المغربية. لكن لتحقيق ذلك، يجب تجاوز حالة الجمود الحالي وتبني رؤية شاملة تضع احتياجات الجالية في صلب الإصلاحات.

إن إعادة هيكلة مؤسسات الجالية ليست مجرد مشروع تنظيمي، بل خطوة نحو تعزيز انتماء المغاربة بالخارج لوطنهم الأم. وعلى الحكومة أن تترجم الإرادة الملكية إلى خطوات ملموسة تلبي تطلعات ملايين المغاربة المنتشرين في العالم، وتضمن لهم حقوق المواطنة الكاملة التي طال انتظارها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى