النائب الأول بين الفضح والصلح: تناقض المواقف وتآكل الثقة

ع.مشواري
للمرة الثالثة، أعلن النائب الأول لرئيس مجلس مقاطعة سيدي البرنوصي عبر صفحته على “فيسبوك” عن موعد جديد للكشف عن ما وصفه بـ”ملفات الفساد ونهب المال العام”، محددا يوم الأحد بدل السبت. لكن هذا التغيير لم يدهش المتابعين بقدر ما أدهشهم التناقض الصارخ في مواقفه، بعد أن قضى نحو سنتين في مهاجمة ما وصفه بـ”منظومة فساد” قبل أن يتحول فجأة إلى داعم لفكرة الصلح التي سبق وأن وصفها بـ”المستحيلة”.
سبق أن استضافته إحدى القنوات عبر بث مباشر، حيث تدخل رئيس المقاطعة سعيد الصابري عبر مكالمة هاتفية رحب فيها بالصلح ولم الشمل، لكنه شدد على ضرورة صدور تصريح رسمي من النائب يوضح فيه الاتهامات التي وجهها سابقا. خلال المكالمة، اكتفى النائب بالاستماع دون أي اعتراض، ما أثار جدلا واسعا حول دوافع هذا التغير المفاجئ والمربك لمناصريه والمتابعين على حد سواء.
وعندما سأل صحفي الرئيس عما إذا كان بيان الصلح مشتركا، جاء الرد حاسما: ”البيان خاص بالنائب الأول وحده، لأنه هو من أطلق تلك الاتهامات، وعليه توضيحها للساكنة.”
هذا التصريح أعاد إلى الواجهة سؤالا لا مفر منه: ما الذي دفع النائب إلى التراجع عن موقفه بعد سنتين من مهاجمة المجلس، ثم دعم الصلح فجأة، قبل أن يعود مجددا إلى وعود فضح الملفات؟
قرار الصلح المفاجئ، دون استشارة زملائه أو مناصريه، وضع هؤلاء في مأزق أمام الساكنة. فبعد أن اعتادوا الدفاع عن مواقفه باعتبارها منصة للحق والمحاسبة، أصبح عليهم الآن تبرير تناقضاته أمام المواطنين، ما كشف هشاشة الاستراتيجية السياسية للنائب ومصداقيته.
الأكثر إثارة للقلق أن الرجل، الذي كان يتحدث عن “وثائق وأدلة دامغة”، تحول حديثه الآن نحو “التهدئة” و”المصلحة العامة”، دون أن يوضح مصير الملفات التي وعد بالكشف عنها. كما يثير الاستغراب سبب رفضه سابقا أي وساطات حزبية، ليقبل فجأة بتدخل قيادي محدد، ما يفتح تساؤلات حقيقية حول ما إذا كان التحول مدفوعا بمصالح شخصية أكثر منه بقناعة حقيقية.
التبرير بأن “الصلح من أجل المصلحة العامة” يبدو شعارا فارغا ما لم تتبعه إجراءات عملية تعيد الثقة للساكنة. فالإصلاح يقاس بالأفعال لا بالكلمات، والتفسيرات الفضفاضة باسم المصلحة العامة لا تزيد المواطنين إلا ارتيابا وإحباطا.
لاحقا، أعلن النائب تراجعه عن قرار الصلح، وأعلن عن بث مباشر جديد للكشف عن “الاختلالات”، ما أعاد الأمور إلى نقطة البداية وأبرز حالة التذبذب التي تكاد تتحول إلى سياسة ثابتة في تصرفاته. هذا الارتباك يعكس فوضى سياسية تتحمل تداعياتها الساكنة، التي سئمت من الخطابات المتناقضة والمواقف غير الواضحة.
في النهاية، يظل الثابت أن الثقة السياسية تبنى على الوضوح والاستمرارية، وأن العمل الجاد يحتاج إلى مواقف ثابتة أكثر من السعي للظهور الإعلامي. ساكنة سيدي البرنوصي باتت اليوم أكثر وعيا بالفرق بين من يخدم مصالحها بصدق وبين من يستغلها أداة للمناورات السياسية العابرة.